الثلاثاء، 18 يناير 2011

مع الحبيب أحمد الله رب العالمين ، حمد عباده الشاكرين الذاكرين ،

مع الحبيب

أحمد الله رب العالمين ، حمد عباده الشاكرين الذاكرين ، حمدا يوافي نعم الله علينا ، ويكافئ مزيده ، وصلاة وسلاما على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد ، اللهم صلي وسلم عليه صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين ، أما بعد ...
فندعو الله عز وجل ألا يدع لنا ذنبا في هذه الليلة العظيمة إلا غفره ، ولا مريضا إلا شفاه ، ولا عسيرا إلا يسره ، ولا كربا إلا أذهبه ، ولا هما إلا فرجه ، ولا دينا إلا سدده وقضاه ، ولا ضالا إلا هداه ، ولا مظلوما إلا نصرد ، ولا ظالما إلا قصمه ، ولا عيبا إلا ستره ، ولا صدرا ضيقا إلا شرحه ، اللهم اشرح لنا صدورنا ، بلغنا مما يرضيك آمالنا ، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، اجعل ثأرنا على من ظلمنا ، اللهم من أراد بنا شرا فاجعل كيده في نحره ، واغفر لنا والمسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، ارزقنا يا مولانا قبل الموت توبة وهداية ، ولحظة الموت روحا وراحة ، وبعد الموت إكراما ومغفرة ونعيما ، أكرمنا ولا تهنا ، أعطنا ولا تحرمنا ، زدنا ولا تنقصنا ، كن لنا ولا تكن علينا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، نعوذ بك من الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، ومن الخوف إلا منك ، ....(الدقيقة :1، الثانية:50) أو أغشى فجورا ، أو أكون بك من المغرورين ، أعوذ بك من عضال الداء، وشماتة الأعداء ، وخيبة الرجاء ، وزوال النعمة ، وفجأة النقمة ، اللهم أغننا بالافتقار إليك ، ولا تفقرنا بالاستغناء عنك ، اغفر لنا وارحمنا ، عافنا واعف عنا ، سامحنا وتقبل منا ، اللهم تب على كل عاص ، واهد كل ضال ، واشف كل مريض ، وارحم كل ميت ، فرج كرب المكروبين ، اللهم ارفع غضبك ومقتك عنا ، ثقل بهذه الجلسات موازيننا يوم القيامة ، اجعلها خالصة لوجهك الكريم ، أنر بها على الصراط أقدامنا يوم القيامة ، اللهم أنر لنا الطريق على الصراط يوم القيامة ، وأظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظله ، اللهم اسقنا من حوض نبيك شربة لا نظمأ بعدها أبدا ، نسألك أن نصحب النبي في الفردوس الأعلى يا أكرم الأكرمين ، اللهم لا تحرمنا من النظر إلى وجهك الكريم ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

أيها الإخوة الأحباب هذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة السادسة في حديثنا عن السيرة العطرة لسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وتأتي مصادفة أن تكون هذه أيضا ليلة مولد خير إنسان عرفته البسيطة وعرفته السماوات والأرض ، خير خلق الله ، سيدنا محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- ، اللهم احشرنا في زمرته وأوردنا حوضه ، واحشرنا تحت لوائه ، وحببنا فيه في الدنيا والآخرة جوارا وقربة يا أكرم الأكرمين ، يا رب العالمين .

ويأتي مولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا العام ، وفي كل قلب مسلم كرب وغصة وألم وأسى مما وصلت إليه أحوال المسلمين ، ولا يجب على المسلمين أن يظهروا مظاهر الاحتفالات لأن هناك ما يهمهم ، ما يؤلمهم ، هناك معتدي ومعتدى عليه ، هناك مسلم لا يحب أخاه المسلم ، هجوم من جميع الأطراف على جميع الأطراف ، في الكلام وبعدم الاقتناع ، حتى صار الناس يخوضون في العلماء وفي أهل العلم ، وخاف الناس ممن يأخذون بأيدي الناس إلى الصراط المستقيم ، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- العصمة ، ونسأله المغفرة ، ونسأله الرحمة ، إن لم نكن أهلا لرحمتك فيا أرحم الراحمين فرحمتك أهل أن تصل إلينا ، اللهم عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك ، إن عاملتنا بفضلك رحمتنا ، وإن عاملتنا بعدلك أهلكتنا ولك الحق علينا ، يا أكرم من سئل ، ويا خير من أعطى ، يا أكرم الأكرمين ، يا رب العالمين

يأتي هذا العام وتتضح أمام المسلمين أشياء كنا نتحدث عنها منذ أكثر من خمسة عشر سنة وربما من عشرين سنة ، كنا نقول إن الغرب قد أعد عدته كي يستأصل المسلمين ، وأن الغرب والشرق سواء الغرب الشيوعي أو الغرب الصليبي ، كل على خلاف عقائده ومذاهبه ، اجتمعا على شئ واحد ، على عداوة الإسلام ، وعلى عداوة نبي الإسلام ، وعلى عداوة القرآن الكريم ، وللأسف الشديد نحن الذين مكناهم من هذا الأمر، فلو تمسك حكام المسلمين ومحكوميهم ، قيادة وشعوبا بالكتاب والسنة ، لما خرجت هذه الجرذان من جحورها لتتغلب علينا ، ما غلب المسلمون أعداءهم يوما بالعدد ولا بالعدد ، تغلب المسلمون رغم قلة عددهم وعدادهم بطاعة المسلمين لله ، وبمعصية أعدائهم له .

نحن جئنا في زمن كشر الجميع عن أنيابه ضد الإسلام ، وضد نبي الإسلام ، وأعلن أغلب أعضاء الكونجرس الأمريكي أنهم لا يخافون أبدا من الإلحاد أو من الشيوعية ، أو قالوا بالتعبير الواضح : لقد تقلمت أظافر الشيوعية ، أي هم استطاعوا ان يقلموا أظافر الشيوعية ، فلم يبقى للشيوعية مكانة على الأرض ، وإنما القوة التي يخافون منها ، أو الزحف القادم الذين يعملون حسابه هو الزحف الإسلامي ، فطبعا يستغلون أي فرصة للإيقاع بين المسلم والمسلم ، وبين الدولة المسلمة والدولة المسلمة ، وبين إقناع المسلمين بأشياء ليس طعنا في الإسلام ظاهرا ، ولكن يظهر لكل ذي عقل ، ولكل ذي فقه ، أن هناك عداء مستحكم ضد المسلمين ، وضد الإسلام، وضد بلاد الإسلام ، هناك خطة لتجويع العالم الإسلامي ، هناك خطة لنهب ثروات العالم الإسلامي ، هناك خطة موضوعة سواء من الغرب الصليبي أو من الشرق الشيوعي أو اليهود ، والصهيونية العالمية في جميع مؤتمراتهم إلا وتقطر قلوبهم حقدا على الإسلام وعلى إيقاف الزحف الإسلامي أو المد الإسلامي ، وهم أكبر ما يخافون منه أن المسلمين قد بدأوا يتنبهون في بقاع الأرض إلى التربية الإسلامية في البيوت ، ويقولون أن معنى تربية الولد أو البنت على الإسلام وعلى الكتاب والسنة ، هذا دليل على أن المسلم عندما يتمسك بإسلامه ، لا يستطيع أحد مهما بلغ من قوة ، ولا تستطيع قوة مهما بلغت من حجم ، أن تغلب مسلما أو مسلمين يشهدوا بحق أن لا إله إلا الله ، ولا خالق للكون ولا مدبر له إلا الله رب العالمين ، "ولتعرفنهم في لحن القول" .

إن العداء مستحكم دائما لنبي الإسلام ، وعلى مر الزمن تتلمذ على أيديهم اناس ، ودائما كنا نتدارس في مسألة السيرة ، يقع في أيديكم طبعا كلام ، مثل : (في منزل الوحي) للدكتور هيكل -رحمه الله وغفر الله لنا وله- ، الدكتور هيكل وطه حسين وغيرهم تربوا تربية غربية ، وأثر هذا الفكر الغربي في أمثال هيكل وأحمد لطفي السيد وطه حسين ومن على منوالهم، وللأسف الشديد امتلأت كتبهم بالمفارقات التاريخية ، ومعالم التاريخ يجب من يتصدى للتاريخ ألا يحكم فيه هواه ، فالتاريخ حقائق مجردة كالكيمياء والرياضة وقوانين الطبيعة ، وعندما تسرد رأيا خاصا ، يجب ان تعلم الناس ان هذا رأيا خاصا لك ، أما أن تقول أن هذا حقائق تاريخية فهذا كلام سيء

فالكاتب محمد حسين هيكل ، صاحب كتاب في منزل الوحي ، للأسف الكثير منا لديه هذا الكتاب وأنصح بعدم قراءته إلا من تمكن من التاريخ الإسلامي ، ومثل ذلك غيره من الكتب ، لأن هذه عبارة عن أبواق للفكر الغربي أو الجماعة المستشرقين ، الذين كانوا يطعنون في الإسلام وفي نبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم- فأقول لكي ندخل في موضوع اليوم إن شاء الله : يجب أن نتنبه أننا مستهدفون ، ومسألة أننا من كل ثمانية أرغفة من الخبز الذي نأكله سبعة منهم بالدين وواحد من شبه إنتاجنا مشكوك في إنتاجيته ، هذه حقيقة للأسف موجودة على الساحة نتيجة تقصيرنا في ناحيتين ، في صلتنا بالله عز وجل ، وفي افتقاد الأسباب المعطاة لنا .

وقد عملوا إحصائية اقتصادية بحتة ، السوق المشتركة عندهم لجنة خبراء يدرسون ، فدرسوا إمكانيات العالم الإسلامي الإقتصادية ، فوجدوا أنه لو اجتمعت الدول الإسلامية وعملوا السوق الإسلامية المشتركة على غرار السوق الأوروبية المشتركة ، وجدوا ان أرصدة العالم الإسلامي تستطيع أن تحتوي جزيرة الذهب ( رصيد أمريكا من الذهب) وجميع اموال أوروبا والدول الغنية وجميع هذه الثروات تمثل عشر ما يملكه العالم الإسلامي ، لكن اكتشفوا أن العالم الإسلامي 98% منه مديون للدول الغنية ، وصارت هذه الدول الإسلامية أفقر الدول ، وصارت أكثر الدول تخلفا ، فلا يذكر الإسلام الآن في أي بقعة من بقاع الأرض حتى يذكر بجواره التخلف والتطرف والبعد عن المدنية والحضارة ، رغم أن عظماءهم وعلماءهم ومفكريهم قالوا كلاما غير ذلك ، فلما سألوا جستالين عندما هربت من الاتحاد السوفييتي قالوا لها كيف تتركين بلدك وبلد آبائك وأجدادك وتذهبين إلى الرأسمالية وأنت أباك من أكبر دعاة الشيوعية ، قالت : الحياة بدون دين كحياة الإنسان بعيدا عن الماء والهواء ، فهي تعيش في بلد لا دين له أو لا يؤمن بدين ، وقال السير الفرنسي : كيف لا أؤمن بوجود الله ولولا الله لخانتني زوجتي وتركني خادمي ، فمنطقه النمطق الاقتصادي أو المادي ، فلولا الإيمان بالله يكون المجتمع عبارة عن غابة ، وقد صار غابة بالفعل لبعد الناس عن الدين "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم" ، والذين سوف يرحمهم الله هم الذين سوف يتمسكون بكتاب الله عز وجل .

نحن عندنا قوى وعندنا ثروات ، وعندنا ثروة بشرية يحاربوننا فيها فيقولون بتحديد النسل وتنظيم أسرة حتى عندما يرريدون قتالنا ينتصرون علينا بأعدادهم وبعلمهم ، أقول لأبنائنا في المدارس وفي معاهد العلم تفوقوا ، أقول لأبنائنا العمال والحرفيين اعملوا بجد ، أقول للموظف اتقي الله في عملك يبارك الله لنا في القليل ، فاللهم بارك لنا في القليل ، وارزقنا من الحلال وكثره لنا يا أكرم الأكرمين ، وأرغبنا عن الحرام يا أرجم الراحمين ، وبغضه إلينا حتى وأن كان كثيرا ، إنك يا مولانا على ما تشاء قدير

ليست هذه نظرة تشاؤم بمولده -صلى الله عليه وسلم- ، ولكن يجب على الدعاة وهم أمناء على رسالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فما خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- درهما ولا دينارا ، ولكن ورث علما يعلم للناس ، والعلماء ورثة الأنبياء ، فيجب كما اخذ الله ميثاقا على النبيين ، أخذ ميثاقا على العلماء أن يبينونه للناس ولا يكتمونه ، فاللهم اجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

نتحدث اليوم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في صباه ، وزواجه من السيدة خديجة ، اللهم اعن ويسر يا أكرم الأكرمين
طبعا مدى الضيق الذي نحن فيه ، نتحدث الآن عن حياة أو لمحة ( أنا تركت الآن متعمدا حقوق الأبناء وحقوق الآباء لنعيش هذا الدرس كله بإذن الله مع سيدنا الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ) والمعيشة مع رسول الله تشرح الصدر، وتشعر الإنسان بالأمل ، لأن بقوانين الحياة البحتة (عندما تضع قانون الحياة وقانون الأسباب والمسببات) ، طفل يتيم الأب ، تموت أمه وهو صغير، يكفله جده ، يموت جده ، يكفله عمه ، يخرج وهو ابن أحد عشر عاما ليعمل ، وأنت ابنك عنده سبعة وعشرين عاما لا يعمل بأي عمل ، يريد مكتبا وتليفونين وسكيرتارية وعربية بسائق والبيه راح والبيه جه ، لا يعمل أي عملا ويقول ( أصل أنا اتولدت مدير) لكننل نريد أن نتأسى برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كنا نحبه حقا ، فقد تحدثت عن السيدةحايمة السعدية ، وكففى باسمها كل خير ، وأخذته إلى بني سعد ، وهناك في بني سعد تعلم أشياء أربعة ، تعلم اللغة العربية والفصاحة والبلاغة ، فهي قبيلة عربية أصيلة فيها تعلم اللغة العربية ، وكيف ينطق بها ، وتعلم بها لهجات العرب ، فعندما كان يأتيه وفد من قبيلة كان يكلم الوفد بلهجته ، رغم أنه ما تعلم في معهد ولا مدرسة ، وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب ، وهدذه هي المعجزة "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم " -صلى الله عليه وسلم-

هناك رأي لبعض العلماء يقولون عن سيدنا الحبيب -صلى الله عليه وسلم- : محمد الأمي الذي علمه ربه ، وأتوا بأدلة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- على مر الوقت تعلم
إن القضية لا تريد تفسيرا ولا تأويلا ، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولد كما قلنا في أمة كما قلنا كالفرس أو كالروم ، وهي أمم حضارات ، بها علم متقدم جدا ، فلو قال بعد ذلك كلام علمي ، منمق ورفيع لقالوا أنه تعلم منهم ، لكنه -صلى الله عليه وسلم- لم يخرج من مكة أبدا ، فحتى سن الأربعين لم يخرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلا على حدود الشام ثم عاد

فمن يقرأ كتب هيكل -رحمه الله- فليدقق قليلا ، أو يقرأ في سيرة ابن هشام أو ابن إسحاق أو السيرة النبوية لأبي الحسن الندوي أو كتب السيرة للسلف الصالح كالباية والنهاية لابن كثير ، هذه المراجع الطيبة التي يستطيع الأنسان أم يأمن على تاريخه وعلى دينه في مثل هذه المراجع

فمثلا كاتب مثل الدكتور هيكل يقول أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- ذهب إلى الشام ، وتجادل مع الرهبان هناك ، فتعلم منهم ، وكيف يتعلم الرسول -صلى الله عليه وسلم-من الرهبان ، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- ما علمه إلا ربه ، فقد قال الله تعالى له : " وكان فضل الله عيك عظيما " ، " ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان " ، فقبل ذلك ما كنت تعرف الكتابة ولا تدري شيئا عن الإيمان
ولذلك في نهاية قصة سيدنا يوسف قال تعالى : " ذلك من أنباء الغيب نوحيها إليك " ، وفي قضية السيدة مريم عندما ذهب زكريا ليكفل مريم ، فقد كانوا في بني إسرائيل إذا كان هناك يتيما او يتيمة يذهبوا ليكفلوه فيأخذوا الثواب ، فكانوا يأتون إلى نهر الأردن ، ويعملوا قرعة فيأتون بأقداح أو قطع من الخشب ، وكل واحد يكتب عليها اسمه ، ويلقونها في نهر الأردن ، والقدح أو الخشبة التي تصل أولا فإن صاحبها هو الذي يكفل اليتيم ، ولكن الله يقول لحبيبه -صلى الله عليه وسلم- : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون " ، فأين كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما كان زكريا وأقاربه والأحبار والرهبان يلقون أقلامهم وسهامهم ، لقد كان -صلى الله عليه وسلم- في علم الغيب
ثم تأتي بعد ذلك قضية سيدنا يوسف ، يقول الله تعالى : " ذلك من أنباء الغيب نوحيها إليك " ، فلماذا ؟ قال تعالى : " لنثبت به فؤادك " أي لنثبت العقيدة عندك يا حبيب الله ، ولتعلم أن الله سبحانه وتعالى ينصر رسله
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يأت على لسانه كلمة أبي ، وهو ابن ست سنوات ماتت أمه فلم يقل كلمة أمي إلا سنوات قليلة ، فلماذا ؟ لكي يكون قلبه كله معلق بالله ، ولا يتدخل أحد في تربيته
ثم يمكث في بيت عمه أبي طالب ، وكان أبو طالب كثير العيال ، فكانوا يجلسوا ليأكلوا فلا يكفيهم الأكل ، فلما يجلس معهم الحبيب المصطفى كانوا يشبعون ويفيض الأكل ، فلما كان يضع أبو طالب لهم الأكل كان يقول لهم انتظروا حتى يأتي ابني محمد ، فهو البركة ، فكان أبو طالب يرى الخير كله والبركة كلها في سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
والرسول -صلى الله عليه وسلم- تعلم الفصاحة والبيان واللغة العربية في بني سعد ، ثم تعلم الرمي ، وتعلم السباحة في بئر عندهم ، ومر في ذات مرة على بئر فتبسم ، قيل : أضحكك الله ، ما يضحكك يا نبي الله ؟ قال : هنا تعلم نبيكم السباحة
وهنا قد يثار سؤال ، هل نحن مكلفون بتعلم السباحة ، والإجابة أن السباحة هذه هي رياضة مباحة طيبة يقرها الإسلام ، فهناك رياضات يقرها الإسلام وهناك رياضات لا يقرها
ثم بعد ذلك تعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركوب الخيل ، فالعربي كانت هذه هي طبيعته ، فكانوا يذهبون به إلى جو الصحراء النقي لتعلم ركوب الخيل
عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أمه ، وذهبت لتزور أخواله في بني النجار كما قلنا ، ودفنت هناك بالأبواء ، وكان ما يزال يذكر عفوها وحنوها عليه فيبكي -صلى الله عليه وسلم-

ست سنوات يكون في كنف جده عبد المطلب ، وكان يعتبر الزعيم العام لقريش ، وكانوا يضعوا له فراش أو قطعة من السجاد عند الحجر الأسود ، وكان لا يقترب أحج من هذا الفراش من أبنائه ، فلما كان يأتي سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وكان عنده من العمر سبع سنوات فكان أعمامه يمنعوه ، فكان عبد المطلب يأتي متحفزا ، ويقول : دعوا ابني هذا فإن له شأن عظيم ، ثم يضعه بجواره ويمسح على ظهره ، ويقول إن فيه خير عظيم ، فكان يشعر أنه ليس بولد عادي ، وإنما هو إنسان سوف تكون له مكانته

سنتين في كفالة جده ، وكان جده لا يتركه ، وكان يجعله ينام معه ، وكان يقول : ينام معي في الليلة الظلماء وكن الشمس في حجرتي ، ثم يموت جده ، فوصى وهو يموت لابنه أببي طالب أن يتكفل بسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-

قلنا من قبل انه لم يؤمن من أعمام النبي -صلى الله عليه وسلم- العشرة إلا اثنان ، حمزة والعباس ، فحمزة أسلم من السنة الثالثة للبعثة ، وبعد ثلاثة أيام أسلم عمر بن الخطاب ، فكان حمزة التاسع والثلاثون في الإسلام بأسبقية الدخول ، وكان عمر بن الخطاب الأربعين

ولما كان المسلمون يلقون الأمرين من أبي جهل عمر بن هشام ، ومن عمر بن الخطاب ، فكانوا يشكون للرسول -صلى الله عليه وسلم- ، فكان يدعو ويقول : اللهم أعز الإسلام بأحب العمرين عندك عمر بن هشام أو عمر بن الخطاب ، فتحققت الدعوة في عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ، ونزل جبريل يوم أن أسلم وقال أن أهل السماء قد كبروا يوم أسلم عمر يا رسول الله ، لأنه واحد ليس بواحد ، ولكننا أصفار تنضم إلى أصفار ، فنحن اليوم ألف مليون مسلم ، لو بصق كل واحد منا بصقة لأغرقنا إسرائيل ، لو نفخ كل واحد منا نفخة لطيرنا إسرائيل ، ولكن لأن هذه النفخة لا تخرج من قلب موصول بالله ، فلا تطير أمامها ولا نملة ، لأن الله سبحانه وتعالى لا ينصر الناس بالمناصب ولا تكون الغلبة بالصدر ولا بالذراع ، ولكن الغلبة تكون بالإيمان ، ولذلك سيدنا داوود عندما كان في جيش جالوت ، "لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده" ، فلما بعث الله طالوت ، وجعله ملكا ، كان من ضمن جنوده سيدنا داوود ، وكان عنده خمسة عشر سنة ، فوضع حجرا في مقلاع ، وسمى الله وضرب بقلاعه فطار الحجر ، وقتل جالوت ، " وقتل داوود جالوت وءاتاه الله الملك" ، فالله سبحانه وتعالى آتاه الملك وهو ابن خمسة عشر سنة ، وكان يتعجب كيف قتل هذا الحجر الصغير هذا الفارس العظيم ؟ قال الله له : يا داوود أنت عليك أن تضرب وأنا علي أن أقتل ، فكان يجب عليه الأخذ بالأسباب

فالسيدة مريم في شبابها كانت تعبد إلى الله عز وجل في المحراب ، "كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" ، ثم تأتي لحظة الولادة ، أيهما أشد حالتين في حياة السيدة مريم ، وهي صبية بدون حمل أو وهي عند لحظات الوضع ؟ أيهما أضعف مريم التي تضع أم مريم التي نعبد ولا وضع ولا حمل ؟ طبعا مريم في الحمل والولادة ، فالمرأة في الوضع يكون حولها فريق من المساعدين والمساعدات ، أريد أن أقول أن الله يرينا في هذه القصة لأن القرآن عبارة عن دستور المسلم أن علينا أن نتخذ الأسباب ، فحملت سيدنا عيسى -عليه السلام- ، "فانتبذت به مكانا قصيا ، فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة " أي ألجأتها آلام المخاض إلى جذع النخلة ، "قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ، فناداها من تحتها" بكسر الميم ، وفي قراءة بفتح الميم ، وكلاهما صحيح ، فقراءة ابن عباس (من) بفتح الميم على أساس أنه عيسى هو الذي نادى ،ولذلك قال أهل العلم أن حقيقة عيسى هو الذي نادى وليس جبريل ، لماذا ؟ لأنها لما جاءت به إليهم وهو رضيع وعمره ساعات ، فقال لها قومها : "يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ، فأشارت إليه" ، فلماذا أشارت إليه ؟ لو لم تتعهد منه الكلام من قبل لما أشارت إليه ، فبدليل أنها سمعته يتكلم من قبل فأشارت إليه كي يشهد معها ويشفع لها في هذا الموقف ، فتعجب اليهود وقالوا : "كيف نكلم من كان في المهد صبيا" ، فنحن الكبار العقلاء نكلم طفل مولمود من ساعتين أو ثلاث ، فكيف ذلك ؟ فقال عيسى -عليه السلام- : "قال إني عبد الله" وهذه الآية ترد على جميع الفرى والأكاذيب ، فأول كلمة قالها سيدنا عيسى هي إني عبد الله ، "ءاتاني الكتاب" .

وقد يتساءل البعض أن هل آتاه الله الكتاب بالفعل ، والإجابة على ذلك أن الله عندما يتحدث ليس هناك ماضي ولا مستقبل فإن الزمان ملك لله عز وجل ، وإذا أراد الله شيئا كان ، فكما تقرأ في القرآن "وكان الله غفورا رحيما" ، فيقول البعض : يا سلام لو كان لسه غفور رحيم ، ولكن معنى كان هنا لا تفيد الماضي ، فقواعد اللغة العربية لا تؤخذ هكذا ، ولكن يجب دراسة اللغة العربية وقواعدها والبلاغة العربية ، فكان هنا لا تدل على الماضي فقط ، ولكن تدل على الماضي والحاضر والمستقبل ، فكان الله غفورا رحيما أي إن الله كلن غفورا رحيما في الماضي ، ولا يزال غفورا رحيما في الحاضر ، وسوف يظل بفضله ومشيئته ورحمته غفورا رحيما في المستقبل ، فلا تقف عند مدلول اللفظ في اللغة العربية

"
وهزي إليك بجذع النخلة " من يقول لها ؟ إنه سيدنا عيسى -عليه السلام-، فقال لها : "لا تخافي ولا تحزني" ، وقد يقول البعض أن القرآن يأتي بمترادفات ، ولكنها ليست كذلك ، فالخوف شيء والحزن شيء آخر، فالله يقول لقريش يمن عليهم : "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" ،فيقال وفر لأي شعب الأمان من هاتين الناحيتين تحصل على شعب صالح ، فأي شعب تؤمن له لقمة عيشه وتؤمن له حريته وسووف تأخذ نتيجة طيبة ، أما أن تحارب الناس في لقمة عيشها وتحاربهم في أمنهم فظن شرا ولا تسأل عن السبب ، وقد قصصت لكم من قبل أنه كان لي أستاذ كان كل يوم جمعة يضع الحب للعصافير في الشرفة ليأخذ الثواب ، ففي يوم وضع الحبوب وفوجئ أن العصافير لا تنزل ، فاكتشف أنه نسي باب الشرفة مفتوح ، ففكرت العصافير أنه قد يكون فخ لها ، وأنه يضع الحب كي تنزل فيصطادها فلا بد أن تؤمن الناس من الخوف أولا ويقول ابن القيم : طائر الطبع ( المقصود به هواك ) يرى الحبة ، وعين العقل ترى الفخ فتقول حذاري حذاري ، فأنت ترى المعصية جميلة في ظاهر الأمر ، ولكن لو فكرت بقلبك ترى الفخ وهو الشيطان فهو يضحك عليك ، ويضع لك السم في العسل

"
وهزي إليك بجذع النخلة" ، وكيف ذلك وهي لا زالت تعاني من آلام الوضع ، وقد كان الله يرزقها وهي في صحتها بدون مجهود ، فكيف وهي متعبة من آلام الوضع ومن آلام الولادة ، فكيف يأمرها الله تعالى أن تهز بجذع النخلة ؟ والرد على ذلك ان هذا عنوان للمسلمين من القرآن بأن نطرق الأسباب ، واستعن بالله ولا تعجز، فعليك فقط أن تبذر الحب وتقول يا رب

قال أهل العلم في قوله تعالى : "تساقط عليك رطبا جنيا" ، لماذا رطبا وليس بلحا أو تفاحة فالشام مليئة بالتفاح ، وفلسطين أرض موالح، وقد عملوا مؤتمرا بالكيمياء العضوية في بودابست عاصمة المجر منذ سنوات قليلة ، واكتشفوا أن الرطب به مركب يوضع مع مركب آخر يوقف النزيف عند المرأة بعد الوضع ، وهذا للرطب فقط ، " فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا " ... إلى آخر الآيات ، فنأخذ من هذا أن نأخذ بالأسباب ، فلا بد من أخذ السبب والله -سبحانه وتعالى- يفتح الأبواب ، ومن يمسك بابا يعطيه الله مفتاحه ، فمن يريد غنى الدنيا يعطيه الله ، ومن يرد غنى الآخرة فالله عنده الدنيا والآخرة ، لآن الله يقول : "يا دنيا من خدمك فاستخدميه ، ومن استخدمك فاخدميه" ، فمن يمشي وراء الدنيا تتعبه وتتعب أعصابه ويأتيه تصلب الشرايين والضغط والسكر وصمام القلب وجميع الأمراض من القلق والخوف ، فكما قلنا في يوم الجمعة نحن إما في حالة حزن أو في حالة هم أو في حالة غم ، فهذه هي الحالات الثلاثة المسيطرة على المسلمين ، وقلنا في تفسيرها أن الحزن هو ألم النفس على الماضي ، وإن الغم هو ألم النفس في الحاضر، وإن الهم هو ألم النفس من الخوف من المستقبل، لكن المؤمن بفضل الله ما فات لا يندم عليه.

قال العرب في قصة رمزية أنه كان هناك صياد اصطاد عصفورة فقالت له العصفورة : ماذا ستفعل بي فأنا لا أغني ولا أسمن من جوع ، ولكن اتركني وأقول لك ثلاث حكم ، حكمة وأنا على يديك ، وحكمة وأنا على الشجرة ، وحكمة وأنا على الجبل ، فوافق الصياد وقال لها هاتي الأولى ، قالت : لا تندمن على ما فاتك ( ولكن الكل نادم فمن لم يندم على أنه لم يشتري الأرض الفلانية مع أنه قد يبيعها مثلا في الحرام وتكون سببا في دخوله النار "إن من عبادي فقير لا يصلحه إلا الفقر لو أغنيته لفسد حاله"
اجلس مع الموظف الغلبان الشريف واسأله : كيف حالك ؟ فيجيبك : الحمد لله ، إننا نبات متعشيين نحن والعيال "ولئن شكرتم لأزيدنكم" أي يزيده من نعمة الرضا ، فالرضا لا يشترى بمال ، وهو مسألة صلة بالله ، كلما ترضى بما قسمه الله لك يزيدك الله رضى ، أما الآخر الغني تعبان ومهموم ويقول ضاهت مني البارحة أربعين ألف جنيه ، والآخر ينظر إليه كيف يعد أصلا هذا المال ، ولكن نحمد الله على فضل الله ، اللهم احفظها علينا نعمة يا أكرم الأكرمين واجعلنها من الشاكرين لها ، ولا نظلم إخواننا الأغنياء ، اللهم أغن المسلمين من فضلك ووسع عليهم يا أكرم الأكرمين ، وأرض الفقراء على ما هم فيه واجعلنا إخوة متحابين في الله

فقال لها : جميلة هذه الحكمة ، فطارت على الشجرة وقالت : لا تصدقن بكل ما يقال لك أنه يكون رغم أنه لا يكون ، يعني لا تصدق أي شيء مع العلم بأنه مستحيل ، فقال لها : طيب ، فقالت له : لو ذبحتني لوجدت في حوصلتي قطعة من الذهب تزن مئة مثقال ، فعض على إصبعه لو كان ذبحها واستفاد ، وقال لها : هاتي الثالثة ، فقالت : من أين لك الثالثة ، فلم تنفع معك الأولى ولا الثانية ، فقد قلت لك لا تندمن على ما فاتك وقد ندمت ، وقلت لك : لا تصدقن بكل ما يقال رغم أنه لا يكون فأنا لا أزن مثقالا واحدا فكيف في جوفي مئة مثقال من الذهب.

فالمهم أنك لا تندم على ما فاتك ، واحمد الله على أنك في الأزمة بخير ، سواء كانت أزمة مالية أو أزمة صحية ، أو أزمة تعودت عليها ، فاحمد الله ، فالتعود نعمة ، فمثلا أنت مختلف أنت وزوجتك في أول سنة من الزواج ، ثم السنة الثانية لم تتصلح ، ثم الثالة فتعودت على ذلك فهذا نعمة

فمثلا والعياذ بالله أحد النصابين يقول لنصاب آخر : هل تستطيع أن تقرأ الكف ، فقال : نعم ، فقال : أنت عندك سنتين من البؤس ، فقال له : ثم ماذا ، قال : ستكون قد تعودت على ذلك .

بعد ذلك أخذ أبو طالب الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فصار الرسول في كفالة عمه ، وعمه كثير العيال ، يرعى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الغنم وهو ابن أحد عشر عاما لقريش على قراريط في مكة ، فيأخذ المال ويعطي عمه ، فيجب للرجل أن يكون منتجا ، عاملا ، وعنصرا طيبا في المجتمع ، ثم سافر عمه إلى الشام ، والرسول عنده ثلاثة عشر عاما ، فرفض العاص بن وائل إرجاع المال له ، فاستجار اليمني بصناديد قريش كأبو جهل وأبو لهب ، فأرادوا من العاص بن وائل إرجاع المال له فرفض ، فوقف الرجل في اليوم التالي عند الحجرالأسودونادى يا معشر قريش يا من تظلمون أحدا ، لي حقا عند العاص بن وائل فمن يعيد لي حقي ، فقام الحارث بن عبد المطلب عم الرسول ، وكان أكبر أبناء عبد المطلب وجمع عددا من قومه ، وكان منهم ثلاثة أو ربعة يسمون بالفضل ، فعملوا اجتماع تعهدوا فيه بنصرة المظلوم في مكة ، فسمي بحلف الفضول ، إما لأنه صاحب فضل بإرجاتع الحق لأهله أو لأن المجتمعين فيه كان اسمهم الفضل ، وقالوا : سوف نعيد الحق إلى أهله ما بل بحر كوفة ، وما بقيا جبلا .......(الدقيقة48، الثانية24) وحراء مكانهما ، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- : هناك حلف حضرته وأنا ابن أربعة عشر عاما في دار عبد الله ابن أبي كتعان ، أحضره ولي به سبل النعم ، أي لو عاد هذا الحلف لكنت عضوا فيه

وصل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى ابن عتريسة، أرسلت السيدة خديجة إليه لكي يتاجر لها في تجارتها ، وذهب أبو طالب ليتحدث على لسان ابن أخيه ، وقال يا خديجة ، بلغني أنك تعطي أجيرك بكرين (جملين) ، وإني أطلب لابن أخي أربعا ، قالت : يا أبا طالب ، أنت كبيرنا وزعيمنا وعظيم قريش ، لو جئت لتطلب هذا في بعيد طريد لأعطيته من أجل كلامك ، فما بالك وقد جئت في قريب حبيب ،لأن ابن عباس عندما دخل على إحدى الصحابيات ليعزيها في زرجها ، فقال : إن زوجتي قد ماتت ، فقالت : يا ابن عباس ، أتخطبني في عدتي ، أي تلمح ، فالمرأة المصرية في هذا الزمن ،وفي هذا الدخل البسيط وفي هذا الغلاء ، وهي تمسك زمام البيت الاقتصادي فهي نبيهة ، ثم منقبل ومن بعد بركة الله عز وجل

اعرض دخل الرجل المصري على أي كمبيمتر في العالم ، أو على أي لجنة الأمم واطلب منها توزيع دخله على مدار الشهر ، فسيقولون لك ائتي به ليوزعه بنفسه ، اللهم بارك لنا في أرزاقنا ، وبارك لنا في أقواتنا ، وبارك لنا في زوجاتنا ، وفي أبنائنا وبناتنا وجيراننا وأرضنا واجعلها بلدا آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين

قال الحبيب-صلى الله عليه وسلم-: " كل أرض يذكر فيها اسم الله ......(الدقيقة:52، الثانية:12)على بقية الأراضي بجوارها ، وأنت عندما تموت يبكي عليك مكانان : موطن سجودك في الأرض ، ومصعد عملك في السماء ، لكن بعض الناس لا يغلق مصعد عملها بعد الموت(اللهم اجعلنا منهم) وهم الذين عملوا صدقة جارية أوعمل صالح ينتفع به أو له ولد صالح يدعو له أو من سن في الإسلام سنة حسنة أو بنى مسجدا أو معهد علم أو مستشفى أو زرع نخلة ، لذلك قال تعالى : " علمت نفس ما قدمت وأخرت " ، فالذي قدمته أنت في حياتك وما أخرته أي بعد مماتك فالعداد شغال لا يغلق ، اللهم اجعلنا من أهل الخير يا رب العالمين

فوافقت السيدة خديجة وافقت ، وخرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- ببضاعتها ، وكان أغلبه من الكبريت الأحمر ، فيذهب إلى الشام ، فتبيع كل القافلة بضاعتها إلا الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وبقي يومين على رحيل القافلة ، ويضع ميسرة ( غلام خديجة ) يضع كفه على خده لأن البضاعة كادت تبور ، ولا يستطيع ان يرجع وحده لأن هناك قطاع طرق ، فتصاب المزروعات في الشام بمرض لا علاج له إلا الكبريت الأحمر ، وذلك لوجود المصطفى-صلى الله عليه وسلم- ، فباع وربحت التجارة مرتين ، أي ضعف ما كان يربح ميسرة ، ويراقب ميسرة الحبيب-صلى الله عليه وسلم- ، فيجلسا تحت شجرة ، فينزل الغصن على الحبيب -صلى الله عليه وسلم- ولا ينزل على ميسرة ، ويمشي فتظلل السحابة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- ولا تظلل ميسرة ، وكل ما ينظر إليه يجد وجهه منورا ، وعاد إلى مكة وظل هكذا ثلاث سنوات يتاجر في مال السيدة خديجة ، إلى أن جلست تفكر وتذكرت حادثة حدثت لها من عشرين سنة وسنها لم يتجاوز العشرين ، وهي جالسة مع نساء قريش جاء حبر من أحبار اليهود يزور مكة ، فوجد بعض النساء جالسات ، فقال : يا معشر نساء قريش ، النبي الخاتم سوف يكون من هنا ، فيا سغادة من تزوجته ، فحطبناه بالحطب ، وذلك من حيائهن. وهذا الحياء إن لم يأتي بالتربية فيأتي بالدين، لأن من عنده حياء فعنده دين ومن ليس عنده دين فليس عنده حياء لأن الحياء من الإيمان فمن لا حياء عنده لا إيمان له ، ولذلك قالوا : إن لم تستح فافعل ما شئت ، وقالوا: إن المرء إذا لم يأنف من اللؤم عرضه فأي رداء يرتديه جميل

فالسيدة خديجة تذكرت هذه الحادثة وكانت من قبل تزوجت من رجلين ، مات أحدهما والآخر أنجبت منه هند بن أبي هالة ، فبعثت إحدى صدبقاتها اسمها نفيسة ( بفتح الفاء أو بالضم ) من الشيء النفيس أي النادر أو الغالي ، فقالت له : ألك في الزواج يا محمد ، وأخذ الفقهاء من ذلك أن المرأة الصالحة تخطب لنفسها ، وذلك عندما يكون هناك صلاح وتقوى ، فلا يأتي الرجل بعد ذلك ويذكرها فيجرح مشاعرها ، لأن المحبة تأتي بالود والكلام الطيب

إحدى السيدات كانت متبرجة وتعمل عملا حراما ، قالت : سمعت منك مرة حديثا كان هو سبب الهداية ، كانت السيدة عائشة واقفة والحبيب -صلى الله عليه وسلم- يضع ذراعه على باب الغرفة وهو يداريها بكمه ، وهي تضع ذقنها على ذراعه وتشاهد الأحباش يلعبون ، فيقول لها الرسول-صلى الله عليه وسلم- : اكتفيت يت عاتئشة ، فتقول له : انتظر يا رسول الله ، فتقول السيدة : جلست أقارن بين حنان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفظاظة زوجي فوجدت أن الإسلام عظيم جدا ، وأحسست بخطئي أني لم أتزوج رجلا على الدين وكان ذلك سببا في هدايتها

سيدنا أيوب عندما تأخرت عليه زوجته ، وكانت تأتي له بالطعام وهو طريح الفراش ، فأقسم أن يضربها مئة عصا ، فلما خرجت من عنده قال : "رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين" فقال له ربه : "اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب" ، فضرب بقدمه الأرض وكان مشلولا فتفجر الماء من تحت قدميه ، فشرب منه واغتسل ، وعاد شابا كما كان ، وبرأ من المرض ، فدخلت زوجته عليه ، وقالت له : ألم تر أيوب ، فقال لها : رأيته ، فقالت : وأين ذهب ، فقال لها : هو الجالس أمامك ، فسجدت لله شاكرة ، فنظر إلى نفسه كيف يضرب هذه الزوجة الصالحة المخلصة في خدمته ، فقال له الله : "فخذ بيدك ضغثا" أي مئة عود من أعواد القمح واضربها به ضربة واحدة "إنا وجدنناه صابرا نعم العبد إنه أواب" ، فيا أخي كن حنونا على وجتك ويبارك الله لك فيها ، وهي إذا وجدت منك المعاملة الطيبة سوف تستحي منك ، وإن لم تستحي فقد أخذت ثواب الصبر .

ولذلك عندما كان الجاحظ يمشي في الصحراء وجد خيمة ، فقال : السلام عليكم ، قالوا : وعليك السلام، من؟ قال : ضيف ، قالوا : وما للضيف عندنا؟ قال : يكرم ، قالوا : ما عندنا شيء ، وخرج من الخباء وجه امرأة مقطب الجبين ، فخاف الجاحظ ومشي ، فرأى رجلا مقبلا هاشا باشا مضيء الوجه ، قال له : مرحبا يا أخ الإسلام ، من ؟ قال : ضيف ،فقال : مرحبا بالضيف ، وأتى له بطعام ، فشكره الجاحظ ومضى ، وفي اليوم التالي ألجأته الرحلة إلى خيمة ، فقال : السلام عليكم ، قالوا: من؟ قال : ضيف ، قالوا : مرحبا بالضيف ، فأجلسوه وأتته الجارية بدجاجة ، وبعد قليل جاء الرجل غضبان ليس كما كان بالأمس ، فنظر إليه الجاحظ وانتظر حتى يلقي إليه السلام فلم يلقه ، فألقى عليه الجاحظ السلام ، فتركه ودخل إلى خيمته وسمع منهم ما فهم منه أنه غضبان لأن زوجته أخرجت الطعام بدون إذنه ولم تبقي له ، فقال الجاحظ : فاستلقيت على قفاي من الضحك ، فخرج إليه الرجل وقال له : أتضحك وأنا أتصارع مع زوجتي ، قال : لقد رأيت البارحة واليوم عجبا ، لقد رأيت البارحة المرأة بخيلة جدا وزوجها كريم وبشوش ، واليوم رأيت الرجل بخيل جدا وامرأته كريمة ، فقال له : إن المرأة التي رأيتها البارحة هي أختي ، وزوجتي هي أخت الرجل الذي رأيته البارحة ، فالمؤمن كما يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشره في وجهه ، وحزنه في قلبه ، فتبسمك في وجه أخيك صدقة

وقال الأصماعي : وجدت امرأة كالبدر ليلة التمام تضاحك رجلا أمام خيمة وهو دميم يكشر في وجهها ، فقلت : ما الذي يصبرك على هذا ، قالت : لعله صنع حسنة ما فجازاه الله عنها خيرا بي ، وصنعت أنا سيئة ما فجازاني الله بها شرا به

جاءت السيدة نفيسة لسيدنا الحبيب -صلى الله عليه وسلم- ، وقالت له : أما لك في الزواج يا محمد ؟ قال : من أين ؟ قالت : ومن يكفيك هذا وسيدة ترفض صناديد العرب ، فقد كان أبو جهل ولأبو لهب وغيرهم يريدون الزواج منها ، فقلال لها : من ؟ قالت : خديجة بنت خويلد ، قال -صلى الله عليه وسلم- : سوف آتي بأعمامي من الغد

فأتت السيدة خديجة بعمها أسد بن عبد الله بن أسد ( فالسيدة خديجة تلتقي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جده السابع ) ، فدخل أبو طالب وتقدم العباس وكان أكبر من أبي طالب ولكنه قدم أبي طالب ، فوقف أبو طالب ليخطب خطبة الزواج ، فقال : الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل (..........1:10:40) أي من الأصل أو من المعدن ، وعنصر مضر ، وجعلنا حضنة بيته ، وخدام حرمه ، وجعلنا بيتا محدودا وحرما آمنا ، وجعلنا الحكام على الناس ، ثم إن ابن أخي محمد بن عبد الله (وهو عنده خمس وعشرون عاما) لا يوزن به رجل من قريش شرفا ونبلا وفضلا إلا رجح به ، وهو إن كان في المال قل فإن المال ظل زائل ، وأمر حائر ، وعارية مسترجعة (فالمال يكون اليوم معك زغدا مع غيرك وسبحان من يغني من يشاء ويفقر من يشاء فاللهم اغننا بالفتقار إليك يا رب العباد ) ومحمد-صلى الله عليه وسلم- هو من تعرفون قرابته وهو والله بعد هذا ( فهو قد قسم الخطبة إلى ثلاثة أقسام الأول تكلم فيه عن الأصل والثاني تكلم فيه عن الشخص وهو أعظم عريس في العالم منذ أن خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها والجزء الثالث هو الآتي) وهو والله بعد هذا له نبأعظيم وخبر جليل جسيم ( أي مكانته في النبوة المنتظرة ) وله في خديجة بنت خويلد رغبة ، ولها فيه مثل ذلك ، وما أحببتم من الصداق فعلي ، فقال عمها : ما تقوله يا ابا طالب فلا نقول شيئا بعده ، قال : هذا اثنا عشر مثقالا من الذهب وخمسمائة دينار ، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ومني عشرين بعيرا ، قال عمها : اشهدوا يا معشر قريش أني زوجت محمدا بن عبد الله من بنت أخي خديجة بنت خويلد ، وكان أعظم زواج في العالم ، لا يليه زواج إلا زواج فاطمة من علي -رضي الله عنه- .

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-مقيما مع أبي طالب ، فضاق عليهم البيت من كثرة العيال ، فعرضت عليه السيدة خديجة أن يمكث معها سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ( ومن هنا يؤخذ أن الزوجة عندما تكون ميسورة الحال ليس هناك حرج أن تساعد زوجها ولكن دون إذلال ، فالظلم ظلمات يوم القيامة ، فلا بد أن يشعر الرجل بقوامته فقد قال تعالى : " الرجال قوامون على النساء " ، وقال : " وللرجال عليهن درجة "

وكان بيت السيدة خديجة مرتفع بثلاث سلمات عن الأرض ثم تدخل إلى البيت لتجد على اليسار ردهة واسعة أو فناء واسع عبارة عن ثلاثون مترا في ثلاثة عشر مترا ، يعني حوالي ثلاثة قراريط ، على اليمين هناك غرفة ستة أمتار في سبعة أمتار وكان يستقبل فيها الحبيب المصطفى أصدقاءه ، وكان اكبر صديق له هو أبو بكر الصديق وعمار بن ياسر

جاء الناعم بن عبد الله وكان من جنوب الجزيرة ، فجلس بجوار العباس فوجد رجلا يصلي ووراءه رجل يصلي ووراءه غلام صغير يصلي ومن ورائهم امرأة ، فقال : ما هذا يا عباس ؟ قال : هذا ابنأخي محمد بن عبد الله ، يقول أنه نبي الأمة ، قال : ومن بجواره ؟ قال : هذا أبو بكر ، قال : ومن الصبي؟ قال : هذا علي بن أبي طالب ، قال : ومن المرأة ؟ قال : هذه خديجة بنت خويلد ، فلما أسلم بعد عشر سنين قال يا ليتني كنت أسلمت ساعتها وكنت أنا الرابع .

ثم تدخل الغرفة التالية تجد غرفة سبعة أمتار في أربعة أمتار وهي حجرة بنات النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ثم الحجرة الثالثة كانت إححدى عشر مترا في ستة أمتار وهي حجرة سيدنا الحبيب-صلى الله عليه وسلم- والسيدة خديخة وكان فيها جزء عمله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-محرابا يتعبد فيه لله عز وجل

سنتكلم إن شاء الله في الحلقة القادمة عن أولاد النبي -صلى الله عليه وسلم- ، من تزوجوا ، ولماذا مات الذكور صغارا والحكمة من ذلك ، ثم بعد ذلك نتحدث عن إرهاصات الدعوة ، وبدء نزول جبريل -عليه السلام- ، وقبل ذلك سوف نتحدث عن زواج النبي -صلى الله عليه وسلم-من بقية نسائه ، ولماذا تزوج من هذا العدد ، وقصة كل واحدة منهن ، وكيف كان يعاملهن ، وكيف كان في بيته ، لعلنا نستفاد من هذا القصص إن ربنا ما يشاء قدير

فاللهم اغفر لنا وتقبل منا واقبلنا في عبادك الصالحين ، و-صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
جزاكم الله خيرا وأشكركم على حسن استماعكم وبارك الله فيكم ولا تنسونا من صالح الدعاء
com.yahoo@samihejazi

سامي حجازي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق